crossorigin="anonymous">

في عصر آلهة الحكمة الإفتراضية كيف نجد السعادة؟

من منا لا يسعى للسعادة؟ من المؤكد أن الأجابة ستكون أن كل إنسان يسعى للسعادة.. إذاً فلنسأل بصيغة أخرى ونقول: “ماهى السعادة؟ ما هو التعريف الأساسى لها، من هم الأكثر سعادة على وجه الأرض؟.

فكرت كثيراً في الأمر ولم أجد إجابة محددة، سألت العديد من الأصدقاء ولم تتشابه إجابتين أبداً.. فلماذا؟ ببساطة لأن الإجابات المحددة والقاطعة تخص الأشياء الثابتة وحدها، الأشياء الثابتة كالمعادلات الرياضية والمركبات الكيميائية. أما عمق الحياة وقوانينها فهي أشياء متغيرة ولا تتشابه فيها المعطيات لشخصين أبداً، لأن عواطف البشر معقدة ولكل شخص تركيبته الخاصة في التعامل مع الحياة فلا تتشابه التفسيرات والنتائج. فكل منا له قانونه وظروفه ومبتدأه ومنتهاه فلماذا كل هذا الصراخ.

نعم الصراخ، ففي عالمنا الفوضوى الكل يصرخ، الكل يحدد لك مفهوم السعادة ويقول لك إن فعلت هذا فستكون سعيد، وإن لم تفعل فالتعاسة فى إنتظارك.

على صفحات التواصل الإجتماعي نصب البعض أنفسهم آلهة للحكمة، وأصبحوا يظنون أن رؤيتهم هي الوحيدة الأصح، ويحاولون فرضها على الناس. لا إرادياً نجد أنفسنا نتفاعل معهم ونصدقهم ونحاول أن نكون في قالبهم الذي فرضوه علينا دون التساؤل هل نمط التفكير هذا يناسب حالتنا الفردية؟.  هل هذه هي الوجهة التي نرغب فى الذهاب إليها؟ هل كل ما يطرح يعبر فعلاً عما يجول بوجداننا؟ أظن أننا دائما في حاجة للتفكير في الرد على تلك الأسئلة دون التأثر بكل الصرخات حولنا.

دعنا نفند الأمر بالحديث عن بعض أنماط التفكير السائدة في أوساط التواصل الاجتماعي والتي يحاول البعض فرضها علينا بادعاء أنها هي الوحيدة التي على صواب، والقادرة على منحنا السعادة.

فرض الأراء النمطية حول العمل الحر والسفر والترفهيه

كل آلهة الحكمة على صفحات التواصل الاجتماعى تقول لك انه لا سعادة إلا في العمل – بالطبع كل إنسان لا بد أن يكون له عمله – لكن ما أقصده هنا هو محاولة طرح صورة نمطية معينة عن نوعية العمل، آلهة الحكمة تصرخ أتركوا عملكم الروتينى الممل فهو لن يجلب لكم السعادة، إبحثوا عن عمل ذو إنتاجية معينة وتكنولوجيا متطورة الخ الخ.. لكن ماذا إن كنت أنت شخص ترتاح للروتين وتشعر بالأمان معه، ماذا إن كانت ظروفك كلها ورغبتك ضد هذا التوجه، بالطبع ستشعر بالإنعزالية وأن الجميع ركبوا القطار عداك، لكن الأكيد أن الله لم يخلق البشر لوناً واحداً، فالعالم جميل بأصحاب البشرة البيضاء والسمراء وليس من حق شخص أن يقول أن هذا أفضل أو أجمل من الأخر، كذلك في السعادة ليس من حق أحد أن يقول لك أن هذا العمل سيجلب لك سعادة وأنك عليك قلب أوضاعك رأساً على عقب، فلحفظ التوازن فى الحياة يحتاج العالم إلى الموظفيين الروتينين والى المغامرين العابرين للمجهول، المهم أن تكون وجهتك نابعة من رغبتك الداخلية وليس من رأى يفرضه عليك الناس حولك.

فرض الأراء النمطية حول الزواج

لن يمر يوم تتصفح فيه صفحة الفيس بوك الخاصة بك حتى تستوقفك المنشورات التي تعرض الأراء حول الزواج والحب، وستجد الجميع يصفق للافكار التى تبدو براقة، حول الحب الرومانسي والمشاركة الأبدية والرجل الخارق والمرأة التي لامثيل لها على وجه الأرض، وان كل الذين أتخذوا نمط عادى لا جنون فيه ولا مغامرة مصيرهم إلى الجحيم، ولكن حين تقرأ هذا وتبدأ بالضغط على زر المشاركة هل حدث أن توقفت لحظة وفكرت فى الأمر.

قديماً لعبت القصص الخيالية دوراً كبيراً فى تصوير الرومانسية والتي حاولت الأجيال المتعاقبة مجاراتها والحصول عليها، وفي عصرنا يحدث هذا لكن بصورة أخطر حيث يقرر آلهة الحكمة الإجتماعية في شئون الأحوال الزوجية شكل الرجل الذي عليك إختياره وشكل كلامه معك وشكل علاقته بك، وتقريباً تكون الصورة المرسومة مثالية وخيالية إلى حد كبير، ثم يقرروا للرجل نمط المرأة التى عليه إختيارها لأنها ضمان السعادة، أما المختلفون فلا يجب أن يوجدوا على سطح الأرض.. وهنا نقرأ ونشارك دون ان نتسائل أيضاً ماذا نريد نحن؟

الزواج والحب إختيار شخصى، إختيار ما تحتاجه وما يرضيك وتشعر معه بالسكينة والمودة، لا يتعلق بالرجل المجنون المرح ولا بالمرآة العابرة للقارات الخارقة التفاصيل، لكنه يتعلق بمن يتحمل الآخر ومن يحب الآخر ومن يقبل عيوب الأخر قبل مميزاته، فنحن نستطيع ان نتحدث عن الحب ورأينا فيه وعن رغبتنا فى شركائناً، لكن ليس من حقنا أن نفرض النمط الذى نسعى إليه على الجميع.

هذين فقط مثالين مما يحدث حولنا من فوضى، الجميع لاينشر رأيه بل يفرضون أنماطاً يعتقدون داخلهم انها صحيحة، ولكن الحقيقة ان ما يناسبك ليس بالضرورة صالح لغيرك.

وفي حديثنا عن السعادة مرة أخرى ففي رأيى لابد من إدراك إنها شعورنا الداخلى بالرضا عن خطواتنا فى الحياة، في النهاية لنا قدر واحد لن نستطيع مقاومته وعلينا تقبله لكن محاولاتنا السعى لما نشعر أنه موجود بداخلنا حقا ربما هو من أكبر الأشياء التى تمنحنا السعادة.

لذا فليكن البعد عن آلهة الحكمة خير وسيلة لمعرفة ما الذي نريده حقاً دون زيف ودون فرض نمط معين على حياة لا تخص سوانا.

!-- Google Tag Manager (noscript) -->
%d مدونون معجبون بهذه: